البوش ...الملك المتوج

بارك الله في طعام كثرت فيه الأيادي والبياكل براهو ما بشبع. هذه العبارات واختلاطها بحميمية الزول السوداني الذي ينحو باتجاه الجماعة ويرفض الفردانية في كل اشيائه كواحدة من مكونات الشخصية السودانية نفسها، وعلى مر التاريخ والعصور، كل هذه الاشياء تعبر عن نفسها من خلال ذلك الصحن الممتلئ خيرا «صحن البوش» الصحن الاشهر في البيئة السودانية خصوصا بعد التحولات التي شهدتها الثقافة الغذائية في السودان. ويعتبر صحن البوش هو واحدا من اكثر الاطباق حضورا وفي كافة المجالات ان لم يكن الاول مما جعل احد الشباب يطلق عليه ميثاق الانتماء الجديد باعتباره الوسيط المشترك الذي يلتقي عليه الجميع يبدأون به صباحهم ويختمون لياليهم عليه. وفي مختلف الاتجاهات والنواحي طلبة وعمال وموظفون ومهندسون بل كل فئات المجتمع يلتقون على ذلك المصنوع الوجيب وباسمه العجيب «البوش».
المكونات هي موية الفول وتقطيع شرائح الرغيف والتي يتم تقطيعها حسب الفئة المستهدفة وطبيعة الوظيفة التي تحدد حجم اللقمة في لحظة الالتهام ،حيث تختلف عملية التقطيع عند الاولاد من نظيرتها عند البنات ،وهكذا ومن ثم يضاف الزيت والجبنة وبقية التفاصيل التي يحددها في هذا الجانب مقدار ما يحتوي عليه الجيب من نقود، . فصحن البوش الذي يتم تجهيزه في المدارس الثانوية يلعب دورا كبيرا في تقوية صلات الزمالة ما بين هؤلاء الطلاب واياديهم الممدودة نحو الصحن تنخفض وترتفع بدرجة واحدة في لحظة اتحاد نادرة الحدوث ما بين اولئك المجتمعين تحت ضفاف الصحن الكبير، ويقفز نفس الصحن على المراحل ليدخل مع اصدقائه لداخل ردهات الحرم الجامعي ويقود صراعا حامي الوطيس مع البيرقر والشاورما والفطائر، الا انه ينتصر بقوة العزيمة من قبل اولاد الاقاليم والذين يدعمون البوش بوجوه جديدة وناعمة حيث تزول كل الفوارق الاجتماعي، حيث تسود المساواة وتظهر في الايادي المغروسة داخل الصحن لا يفرقها سوى طلاء الاظافر بالوانه المختلفة تكتمل اللوحة بتبادل الابتسامات التي تستمد وهجها من قطرات الزيت التي تزين الصحن.
أ
وللبوش قدرة على التغلغل في كافة المساحات لذا لم يكن نشاطه ليقتصر على الطرقات والشوارع بل تجاوز كافة المتاريس ليشكل حضورا آخر يستمد بهاءه من لمة الاسرة بتفاصيلها الجميلة وتحديدا في وجبة العشاء وضحكات الاب وهمسات الحنان من ست الكل ومشاغبات الابناء تكتمل اللوحة مع البوش وبالرغم من ان كثيرين يقولون ان طعم البوش في الشارع احلى من جوه البيت لكنه في تلك اللحظة يأخذ طعما غارقا في الحلاوة.
ويتواصل مشوار البوش دون توقف ليمسك باللحظة في امسيات بلادي وتحديدا مع حراك الشباب في رحلة الفرح اليومي نحو (القدرة) التي تقف في الانتظار وفي كل المدن السودانية دون فرز وهو ما يثبت فرضية ان البوش يشكل حضورا دائما مع هذه الايادي وان اختلفت الوجوه والاتجاهات والاعراق والالوان، في لحظة تتجسد فيها الوحدة الحاضرة مع صحن البوش وبامتداد الأراضي السودانية.